في احد أيام طفولتي وانا اتذمر بالذهاب الى المدرسة كأي طفل اخر ، همس لي ابي : "يا حسين جانك تبي رضاي كمل لي توصل للجامعة".... تلك الكلمات لا زالت ترن بأذني حتى يومنا هذا ، انتهت اعواما ولحقتها اعواما وها انا اقف امام موظف الجوازات ليختم جواز سفري واسمع :"النداء الأخير على مسافري الخطوط الجوية الكويتية المتجهة الى القاهرة التوجه الى بوابة ٢٠". هممت بالدخول الى الطائرة وابحث عن احدهم ربما كان زميل عمل او دراسة ليخفف علي عناء الغربة، جلست بمقعدي بجانب النافذة واخذت اتأمل كأني ارى الكويت لأول مرة.
حان الوقت وبدأ العد التنازلي وبدأت الملم ذكرياتي وباقي حاجياتي... و ماهي الا ايام محدودة حتى ينتهي كل شيء .. بدأت الملم أهدافي واجمع افكاري فاللحظة الصفر قد حانت.
نعم لقد مضى الكثير ولم يتبق الا القليل ففيها حبسنا الانفاس وشدّ كل منا رِحاله.. ليمضي في طريقه ..
الان تمر في مخيلتي شريط ذكرياتي هنا .. صور من مراحلي الدراسية هناك ، الدكتور الفلاني وشرحه وذاك الزميل المصري وما قدمه من خدمات وذاك الزميل الاخر واحاديثه الجانبية معي .
شاي الصباح والقهوة العربية التي اعتدت ان اعدها بنفسي بكل حب ونشاط.. وطبق الفول الذي يشعرني حقا بأجواء مصر العظيمة... ليبدأ معها بداية اليوم ، و في الليل صوت الطرب والازعاج وصوت زمامير التكاسي الذي تصدع في كل مكان لتعلن انتهاء اليوم ... نعم انها مصر ، مصر القاهرة صاحبة التاريخ الذي امتد الى اكثر من ٧ الاف سنة.. مصر العروبة التي كانت ولازالت في كل موقف عربي تكون اول الحضور.. اول بعثات الاطباء العرب واول مدرسين واول جيش عربي يدخل الاراضي الكويتية.
سأرجع حاملا معي ذكريات جميلة خبأت بعضها في قلبي اتذكرها بين الحين والاخر لاكتفي بعدها بابتسامة شوق ..
اكاد اقسم لم اتخيل إن الايام ستمضي بسرعة الضوء انه اخر المشوار ..
4 سنين كانت مليئة بالجد و المثابرة .. وقلة النوم والسهر .. انتقلت فيها من الجهل الى العلم ..
دائما ما افكر بوظيفتي مستقبلي.. ابني ذو العامين !!
فلطالما ارقتني الاختبارات في جو من الغربة بعيدا عن ابي وامي اللذان دائما ما دعا لي بالتوفيق وزوجتي التي تحملت غربتي عنها، وابني الذي تمنيت ان اراه في كل صباح واطبع قبلة على جبينه ولكن الغربة والدراسة حالت دون ان افعلها .
بعد كل هذا ولله الحمد بعد الاربع سنين انه شعور لا يوصف ماذا عساي ان اقول ..
نعم اقولها بكل فخر و بأعلى صوت: لقد فعلتها !
حسين الريحان